طارق كيسوانسون / الصيرورة

في معرض ”الصيرورة” الذي تستضيفه صالة بونيرس الفنية، يقدم الفنان طارق كيسوانسون عرضاً استثنائياً متعدد الجوانب يغوص في موضوعات الذاكرة، والإرث، والزمن، والانتماء، مستخدماً النحت والكتابة والرسم والأداء والفيديو. تشكل مفاهيم مثل ”الافتقاد للجذور” و”الولادة من جديد” و”التجدد” جزءاً محورياً من فن طارق كيسوانسون، يعود إليه باستمرار بغض النظر عن وسيلة التعبير الفني التي يختارها. وفي العرض الجديد الذي يضم أعمالاً حديثة للفنان، يتناول فكرة ”التحليق” كحالة نفسية ذهنية وكظاهرة فيزيائية.

ترجع أصول طارق لعائلة فلسطينية هاجرت من القدس إلى شمال أفريقيا عبر الأردن، لتستقر في نهاية المطاف في مدينة هالمستاد السويدية أوائل الثمانينات، حيث ولد طارق العام ١٩٨٦.

يقول طارق ”هويتي تشكلت من ثقافات عدة. وأعمالي التجريدية تعكس خلفيتي الثقافية كمهاجر من الجيل الثاني تشكل وعيه بفعل تداعيات النزوح. وفي حياتي كلها، استخدمت الإبداع والكتابة لاستكشاف حالات العبور والوسطية التي يعيشها الإنسان”.

تأثر فن كيسوانسون بأفكار الفيلسوف إدوارد غليسانت حول الهوية التي تتشكل من خلال العلاقات، وهو ما صاغه الفيلسوف العام ١٩٩٠ في مقال بعنوان ”شعرية العلاقة”. لا يسعى غليسانت إلى القطيعة أو حتى التصالح مع تاريخ معقد ومتشابك، بل إنه يتعامل معه كحالة خاصة يستمد منها الإنسان القوة للمضي قدماً. وكذلك كيسوانسون يعكس غالباً الهويات المجزأة التي تنتج عن الشتات والتنقل، كما يرصد ما يضيع وما يُحفظ عبر الأجيال من خلال الهجرة.

يُعتبر العمل المحوري في المعرض سلسلة من المنحوتات بعنوان Nest (٢٠٢٠ – ٢٠٢٣ ) أي ”وَكنْ” باللغة العربية، وهي منحوتات كبيرة الحجم تشبه الشرنقة. يركز كيسوانسون من خلال عمله على هذه السلسلة، على الطبيعة ومراحل التحول فيها، فيتأمل البيوض والشرانق والبذور، لتتحول انطباعاته عن الطبيعة إلى تصميمات خلقت لنفسها مكاناً بين مصادر إلهامه. واستطاع بذلك أن يصنع عملاً يعبّر عن النشأة والتحولات، والأهم من ذلك عن الإمكانات والفرص.

من خلال معرض ”الصيرورة” يصوّر كيسوانسون شعور التحليق، كلحظة واعية، وكحالة من التأرجح بين الماضي والمستقبل. وعبر هذه الحالة الوسطية، ومن خلال الانتماء لأكثر من هوية، يضع الفنان شروط وجودنا الإنساني على الطاولة، ليس فقط من خلال رصد عملية تشكل الهوية والذات، بل أيضاً من خلال تذكيرنا بتعقيدات الوعي والإدراك. فالذات ليست حالة ثابتة، بل صيرورة مستمرة.